close
recent
أخبار ساخنة

لماذا قال الله تعالى (ربّ المشرقين وربّ المغربين)؟

الصفحة الرئيسية

 من أهم مفاتيح فهم القرآن الكريم أن تتأمل السياق الذي وردت فيه الآيات حتى تربط بين المعاني المفردة والصورة العامة التي ترسمها السورة للقارئ سورة الرحمن

تلك السورة العظيمة التي بدأت بنعمة الله تعالى العظمى ورحمته لبني الإنسان بأن قد علمهم القرآن وعلمهم البيان.

لماذا قال تعالى (ربّ المشرقين وربّ المغربين)؟


"الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان"

يستمر سرد نعم الله تعالى؛ الشمس، والقمر، والنجوم والأشجار، والسماء والأرض، الفواكه والنخيل والحبوب..


(ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانࣲ ۝ وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ یَسۡجُدَانِ ۝ وَٱلسَّمَاۤءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِیزَانَ ۝ أَلَّا تَطۡغَوۡا۟ فِی ٱلۡمِیزَانِ ۝ وَأَقِیمُوا۟ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُوا۟ ٱلۡمِیزَانَ ۝ وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ ۝ فِیهَا فَـٰكِهَةࣱ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ ۝ وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّیۡحَانُ)

ثم تأتي آية واحدة ستتكرر واحد وثلاثون مرة على مدار السورة، آية غيرت الخطاب من كونه موجها إلى الإنسان إلى خطاب موجه إلى نوعين من المخلوقات.

فبأي آلاء ربكما تكذبان

هكذا ترسم لنا هذه الآية الصورة؛ أن هناك عالمان متداخلان لكنهما مختلفان؛ عالم الإنس وعالم الجن.

ثم تفصل لنا الآيات اختلاف المادة التي خلق منها الإنسان والجان

(خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ مِن صَلۡصَـٰلࣲ كَٱلۡفَخَّارِ ۝ وَخَلَقَ ٱلۡجَاۤنَّ مِن مَّارِجࣲ مِّن نَّارࣲ)

ثم تأتي الآية التي توضح لنا أن هناك عالمان وليس عالما واحدا نراه بأعيننا

"رب المشرقين ورب المغربين" عالم فيه مشرق للإنس وعالم فيه مشرق للجن ومغرب في عالم الإنس ومغرب في عالم الجن، عالمان يفصل بينهما حد فاصل كالبرزخ؛ حتى لا يبغي أحد العالمين على الآخر.

"مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان"

مثال عظيم من واقع ظاهرة البرزخ بين البحرين والتي أثبتها العلماء في العصر الحديث؛ وهي أيضا تبسيط لفكرة البرزخ الذي بين عالم الإنس وعالم الجن فلو لم يكن هذا الخط الفاصل موجودا لسادت الفوضى واختلط الإنس بالجن وفسدت الحياة وبغى كل طرف على الآخر.

ثم تستمر الآيات لسرد مزيد من النعم التي من الله تعالى بها على الإنس والجن

"يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان"

"فبأي آلاء ربكما تكذبان"

بل حتى تتطرق الآيات إلى حدود حركة الإنسان والجان؛ اللذان مهما بلغت إمكانياتهما لن يستطيعا النفاذ من أقطار السماوات والأرض إلا بسلطان.

(یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُوا۟ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُوا۟ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَـٰنࣲ)

وهكذا رسمت لنا سورة الرحمن صورة مجسمة لعالمنا متعدد الأبعاد والذي نعيش فيه بمشاركة أمة أخرى تشاركنا الحيز المكاني لكن بتردد موجي مختلف، حياة كاملة وقواعد مختلفة لكل عالم.

خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ على أَصحابِهِ، فقرأَ عليهم سورةَ الرَّحمنِ من أوَّلِها إلى آخرِها فسَكَتوا فقالَ: لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجنِّ فَكانوا أحسَنَ مردودًا منكم، كنتُ كلَّما أتيتُ على قولِهِ فَبِأيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ قالوا: لا بشَيءٍ من نِعَمِكَ ربَّنا نُكَذِّبُ فلَكَ الحمدُ.

وفي الحديث عدة فوائد منها ثبوت أنه قد كان هناك صحابة من الجن كما كان صحابة من الإنس سمعوا القرآن الكريم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعلموا منه أحكام دينهم وفهموا شرائعهم.

وهناك حديث آخر ذكر حقائق عجيبة يحتار فيها العقل عن عالم الجن وخطورة الدخول إليه والخروج منه.

روى ابن سيد الناس بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله قال:

"أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني قد أمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجن، فليقم معي رجل منكم، ولا يقم رجل في قلبه مثقال حبة خردل من كبر"، فقمت معه، وأخذت إداوة فيها نبيذ -أي نقيع تمر غير متخمر-، فانطلقت معه، فلما برز خط لي خطا وقال لي: "لا تخرج منه، فإنك إن خرجت لم ترني ولم أرك إلى يوم القيامة" قال: ثم انطلق، فتوارى عني حتى لم أره، فلما سطع الفجر أقبل، فقال لي: "أراك قائما"، فقلت: ما قعدت، فقال: "ما عليك لو فعلت"، قلت: خشيت أن أخرج منه، فقال: "أما إنك لو خرجت منه لم ترني ولم أرك إلى يوم القيامة، هل معك وضوء؟" قلت: لا، فقال: "ما هذه الإداوة؟" قلت: فيها نبيذ، قال: "تمرة طيبة وماء طهور". فتوضأ وأقام الصلاة، فلما قضى الصلاة قام إليه رجلان من الجن فسألاه المتاع، فقال: "ألم امر لكما ولقومكما بما يصلحكما؟" قالا: بلى، ولكن أحببنا أن يشهد بعضنا معك الصلاة، فقال: "ممن أنتما؟" قالا: من أهل نصيبين، فقال: "أفلح هذان، وأفلح قومهما"، وأمر لهما بالروث والعظم طعاما ولحما، ونهى النبي صلى الله عليه واله وسلم أن يستنجى بعظم أو روثة. 

وهكذا فإن الذي يظهر من تدبر الآيات والأحاديث ووضعها في سياق واحد أن المشرقين والمغربين موجودان أحدهما مشرق ومغرب في عالم الإنس ومشرق ومغرب في عالم الجن.

هذا والله تعالى أعلم

تفسير آخر  

دعني أذكّر بالآية 7 من سورة آل عمران:

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ.

والآية تدل على أنه مهما اختلف التفسير.. فتأويل الآية في علم الله وحده.

ولكن يمكن أن نذكر أن التفسير يمكن أن يقرّب الآية من العقل البشري.

1- يذكر الطبري في كتابه أضواء البيان أنّ جمهور المفسرين على أن المقصود بالمشرقين هما مشرقا الشمس في الشتاء والصيف، والمقصود بالمغربين مغربا الشمس في الشتاء والصيف.

2- يذكر الطبري رأياً آخر أيضا هو أن المشرقين والمغربين هما مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما.

3- الكرة الأرضية يمكن تقسيمها إلى نصفين حسب أوقات الليل والنهار، نصف مضيء ونصف معتم ولكل من النصفين مشرق ومغرب في وقت واحد فيكون هنالك مشرقان ومغربان.

4- تفسير هذه الآية قد يكون مرتبطاً بنظرية الانسحاق الشديد (Big Crunch) والتي تقول بأن الكون بعد الانفجار العظيم Big Bang وتمدده السريع سيصل الى نقطة يتباطئ فيها التمدد… ثم يتوقف.. الى أن ينعكس ويصبح انكماشاً.

مع انكماش الكون ستنعكس حركة دوران كوكب الأرض حول الشمس بحيث تطلع الشمس من الغرب أو تشرق من مشرقها الجديد، ألا وهو الغرب، وتغرب في مغربها الجديد ناحية الشرق… (كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن نهاية الزمان وقيام الساعة).

كما نرى… تعددت التفسيرات للآية الكريمة

وربما تزداد هذه التفسيرات وتتغير مع تطور العلم فالعلم متغير.. لكن كلام الله ثابت… لا مبدل لكلماته سبحانه…

والله أعلم.

ومن يريد الاضافة او التعقيب للاستفادة العامة يكتب رده فى التعليقات أسفل المقال.



google-playkhamsatmostaqltradent